الجمعة، 23 ديسمبر 2011


 




كتاب
(الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن قيم الجوية رحمه اللهوعلم النفس)
دراسة تحليلية






للشيخ/ عبد العزيز الأحمد



الفهرست







بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

          الحمد لله الذي تفرد بالكمال، والصلاة والسلام على نبينا محمد المخصوص بأشرف الشمائل، وأكرم السجايا والخصال، المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق وسني الآداب وطيب الخلال.
وبعد:
          فالدراسات في مجال (التربية) قد تنوعت، وتعددت وجهاتها وتفرعت، فبين دراسات تختص بزمان معين، أو مكان محدد أو ظاهرة خاصة، أو تأسيس لأصول العلم وقواعده إلى دراسة لوجهة نظر عالم معين، ومعرفة آرائه التربوية، ومناحيه النفسية....الخ.
          وكان من بين تلك المصنفات التي اعتنت بالجانب الأخير وأقصد به الدراسات عن آراء ومذهب عالم معين في التربية أو أحد فروعها رسالة علمية بعنوان (الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن قيم الجوية وعلم النفس) للشيخ الدكتور/ عبد العزيز الأحمد، وهي رسالة علمية نال بها المؤلف درجة الماجستير بتقدير ممتاز في علم النفس تخصص إرشاد نفسي بقسم علم النفس في كلية التربية بمكة المكرمة جامعة أم القرى عام 1417 هـ بإشراف الأستاذ الدكتور/ عبد المنان ملا معمور، وقد أحببت أن أدرس هذه الرسالة، وأصفها مع بيان ما لها من مميزات، وما عليها من مؤاخذات، شأن أي عمل بشري، ومجهود إنساني، فاستعنت بالله تعالى، وقمت باستقراء الكتاب وفق خطة محكمة يأتي وصفها بإذن الله تعالى.
أسأل الله تعالى التوفيق والقبول إنه أكرم مسئول وأعظم مأمول.




تم تقسيم هذه الوريقات إلى أربع فصول على النحو التالي:  

الفصل الأول

تعريفات الكتاب:

أولا: تعريف الصحة النفسية:
تنوعت تعاريف العلماء لها، وهذا ملخص أقوالهم:
1.      أنها: خلو الإنسان من الأمراض.
2.      تحقيق التوازن.
3.      تحقيق التوافق والتكيف.
4.      تحصيل السعادة.
5.      تحقيق الذات.
6.      حالة عقلية انفعالية مركبة دائما نسبيا من الشعور بأن كل شيء على ما يرام... الخ.
7.      هي التوافق التام بين الوظائف النفسية المختلفة مع القدرة على مواجهة الأزمات النفسية التي تطرأ على الإنسان ثم الإحساس الإيجابي بالسعادة والرضا.
8.      وأخيرا هي: أن يعيش الإنسان على فطرته في قرب من الله وسلام مع الناس، ووئام مع النفس، وسلامة في الجسد ونجاح في الحياة وهو التعريف الذي يقصد المؤلف الوصول إليه.
ثانيا: مناهج الصحة النفسية وتعريفاتها:
-       المنهج الإنشائي:
 يتضمن زيادة السعادة والكفاية والتوافق لدى الأسوياء العاديين حتى يتحقق الوصول بهم إلى أعلى مستوى من الصحة النفسية
-       المنهج الوقائي:
 يتضمن الوقاية من الوقوع في المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية ويهتم بالأسوياء والأصحاء.
-       المنهج العلاجي:
 يتضمن علاج المشكلات والاضطرابات والأمراض النفسية حتى العودة إلى حالة التوافق والصحة النفسية.
-       التوافق:
هو الشعور النسبي بالرضا والإشباع الناتج عن الحل الناجح لصراعات الفرد في محاولته للتوفيق بين رغباته وظروفه المحيطة.
تلك كانت ابرز التعريفات الموجودة في الدراسة على أنه لا يزال هناك غيرها من التعاريف المبثوثة في ثنايا الكتاب.

أهداف الدراسة :

          تهدف هذه الدراسة أولا وقبل كل شي على التعلم من قبل الباحث وأخذ الخبرة والتمرن على نقد البحوث التربوية والتي هي بداية الطريق بمشيئة الله للقيام بأبحاث مماثلة في الغد القريب بمشيئة الله تعالى، بالإضافة إلى التعرف على جهود علماء النفس المسلمين في التأصيل الإسلامي لعلم النفس وخصوصا آراء الإمام ابن القيم بالذات والاستفادة من الموازنة التي قام بها المؤلف بين وجهة نظر علماء المسلمين وغيرهم في علاجهم لأدواء النفس وأمراضها.

حدود الدراسة:

          هذه الدراسة مقتصرة على تحليل ودراسة كتاب الشيخ الدكتور/ عبد العزيز الأحمد وفقه الله والمسمى(الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن قيم الجوزيّة – رحمه الله – وعلم النفس) والذي نشرته دار الفضيلة للنشر والتوزيع بالرياض عام (1422هـ-1999م) وأصل الكتاب كان رسالة مكملة لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير أجيزت بامتياز في علم النفس تخصص "إرشاد نفسي" وقد كانت مقدمة إلى قسم علم النفس بكليّة التربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في عام 1417هـ بأشراف الأستاذ الدكتور/ عبد المنان ملا معمور بار.

أهمية الدراسة:

تأتي أهمية هذه الدراسة من جانبين:
أولا: أنها في موضوع مهم ألا وهو (الصحة النفسية)، وكم قد شغل الناس بل والأمم قديما وحديثا.
ثانيا: أنها عن عالم فذ من بحور العلم، ورواد المعرفة، ثاقب البصيرة قد سبر أحوال النفس وخبرها، وأتقن أدويتها، وصنف في ذلك المصنفات البديعة، وكتبه مشحونة بذلك وهو أحد علماء الإسلام الجهابذة ابن قيم الجوزيّة رحمه الله وطيب ثراه.
 ثالثا: أن هذا الموضوع لم يأخذ حظه الكافي من الدراسة في الدراسات السابقة.

الدراسات السابقة

          لم أقف على دراسة سابقة لنقد هذه الدراسة بالذات على حسب علمي وأقصد بذلك بحث الدكتور عبد العزيز الأحمد الذي بين أيدينا مع ملاحظة أن صاحب هذه الدراسة ذكر ما نصه: "وقد وجد المؤلف ما يزيد على ستين رسالة ماجستير ودكتوراه في ابن القيم رحمه الله وكان معظمها في العلوم الشرعيّة وذلك في الفقه وأصوله أو العقيدة أو التفسير أو الدعوة أو الاقتصاد وقليل منها في التربية ولا يوجد شي البتة في الجوانب السلوكية النفسيّة ..." وهذا يبين لنا ندرة طَرق هذا الموضوع أصلا لدى الباحثين في الجامعات الإسلامية والعربيّة وغيرها.
          وعموما فقد وجدت-بين يدي- بعد الإطلاع في المكتبات كتاب لأحد من درس الفكر التربوي عند ابن القيم وهو الدكتور حسن بن علي الحجاجي موجه التربية الإسلامية بإدارة التعليم بمكة المكرمة في كتابه "الفكر التربوي عند ابن القيم" وأفرد فصلا للتربية الروحية والتي هي في الحقيقة النفسية في كتاب مؤلفنا وإضافة إلى ذلك توجد الدراسات التي ذكرها المؤلف-بالإضافة إلى هذه الدراسة- في دراساته السابقة وسيأتي الإشارة إليها في مكانها.

أسئلة الدراسة:

1-   كيف أتعرف على جهود علماء النفس المسلمين في التأصيل الإسلامي لعلم النفس؟.
2-   ما هي آراء الإمام ابن القيم في هذا الباب على وجه الخصوص؟.
3-   كيف نوازن بين وجهة نظر كلا الفريقين أعني علماء المسلمين وغيرهم في علاجهم لأدواء النفس وأمراضها؟.
4-   هل التزم الباحث بمنهج بحثه، ودراسته للموضوع؟.
5-   ما هي جوانب القوة والضعف في بحثه؟.
6-   إلى أي مدى تكون الاستفادة، والتعلم، وأخذ الخبرة على نقد هذا الكتاب؟
منهجية الدراسة، وخطواتها:
          سارت هذه الدراسة المختصرة على منهج تحليل المعلومات وهو: المنهج التاريخي الذي يتناول دراسة المصادر والكتب وغيرها ومن ثم نقد وتحليل هذه المعلومات لإثبات الفروض، والوصول للنتائج.
وأتت الدراسة في أربعة فصول:
الفصل الأول: وفيه المقدمة وتعريفات الكتاب وأهداف الدراسة وأهميتها، وبيان النهج المتبع في الدراسة وخطواتها.
الفصل الثاني: وفيه ترجمة موجزة للمؤلف، وتعريف مختصر بالكتاب
الفصل الثالث: وقد ذكرت فيه ما تبين لي من محاسن الكتاب ومميزاته
الفصل الرابع: بينت فيه ما تراءى لي من المؤاخذات والأخطاء والملاحظات
ثم الخاتمة والنتائج والمصادر وأخيرا المراجع.




الفصل الثاني

أولا: ترجمة موجزة للمؤلف

هو الشيخ الدكتور/ عبد العزيز بن عبد الله الأحمد
من مواليد مدينة بريدة سنة 1387 هـ، وذلك في العشرين من شهر رجب، درس المرحلة الابتدائية في مدرسة الملك عبد العزيز - رحمه الله - وذلك ما بين عامي 1394 - 1400 هـ.
ثم دخل المعهد العلمي ببريدة ودرس فيه لمدة ست سنوات وقرأ فيه كثيراً من كتب أهل العلم وحفظ بعضها، وتتلمذ على عدد من المشايخ الفضلاء، وتخرج منه سنة 1406 هـ بتقدير (جيد جدا مرتفع) ثم أشار بعض أهل العلم إلى أن كان عنده همه للطلب والتزود من العلوم الشرعية ففي المساجد فإن النية أحوط والمكان ابرك فلم يتأخر مؤلفنا عن هذا السبيل المبارك ونهل من معينه الصافي مع استمراره في طريق الدراسة الجامعية إذ أنه بعد الاستخارة والتوكل على الله دخل قسم علم النفس في جامعة الإمام محمد بن سعود - فرع القصيم - سنة 1406 هـ ثم تخرج منه سنة 1410 هـ وتم اختياره معيداً في القسم بعد ذلك تم ابتعاثه لدراسة الماجستير والدكتوراه في أمريكا عام 1412 هـ فمكث فيها عاماً واحداً تعلم فيها اللغة الإنجليزية، وأمّ في بعض المساجد كمسجد النور في كلورادوا في مدينة (دنـفر) ومسجد معهد العلوم العربية والإسلامية التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود في واشنطن، وبعد مرور سنة رجع إلى المملكة قاطعاً الابتعاث.
          وعندما رجع بدأ بإكمال دراسته العليا داخلياً، حيث درس الماجستير في جامعة أم القرى، ما بين عامي 1415 – 1417 هـ، وكانت أطروحة الماجستير حول: (مفهوم الصحة النفسية عند ابن القيم رحمه الله والدراسات النفسية الحديثة – دراسة تحليله -)، وتمت إجازته فيها بتقدير ممتاز مع التوصية بطباعتها-وهي الدراسة التي بين أيدينا الآن لنقدها-.
          بعد ذلك تم ابتعاثه من فرع جامعة الإمام بالقصيم إلى الجامعة بالرياض لدراسة الدكتوراه سنة 1419 هـ، وقد أنهى متطلبات الدكتوراه في عامي 1419 – 1420 هـ، واشتعل في بحث الدكتوراه على موضوع معالجة القلق الذي يتفشى كثيراً في العصور المتأخرة، وكان عنوان الدراسة (فعالية برنامج نفسي إسلامي لعلاج القلق عند المراهقين في المرحلة الثانوية في مدينة الرياض)، وتم تقديم البحث في شهر صفر من سنة 1423 هـ، وتمت إجازته فيها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف في الثاني من ذو القعدة 1423 هـ.
          هذا وقد درس الشيخ عبد العزيز على يد كثيرٍ من المشايخ والعلماء فقد كان عنده توجه وإقبال على القراءة ومحبة مجالس أهل العلم منذ نشأته فكان يصاحب والده – -رحمه الله – عبد الله بن محمد الأحمد، وهو من أصحاب ومجالسي فضيلة الشيخ/ عبد الله بن محمد بن حميد - رحمه الله -، وفضيلة الشيخ/ صالح بن أحمد الخريصي – رحمه الله – يصحبه حين يزورهم ويجالسهم ويسألهم.
          وأثناء دراسته بالمعهد العلمي قرأ وهو في المتوسط على عدد من المشايخ بعض الكتب ومن هؤلاء: الشيخ/ محمد الروق – رحمه الله –، وفضيلة الشيخ/ عيد الصالح اليحيى – حفظة الله.
          أما في الثانوي فتتلمذ على عدد من المشايخ الفضلاء منهم:
-       الشيخ/ فهد المشيقح –حفظه الله -.
-       الشيخ/ حمد المحيميد – حفظة الله -.
-       الشيخ/ عبد الله بن صالح الفوزان – حفظة الله - وهو من أبرزهم.
-       الشيخ محمد بن علي السعوي.
 وقد قرأ على هؤلاء عدداً من الكتب الشرعية وحفظها في التوحيد والفقه وأصوله منها:
 (كتاب التوحيد، العقيدة الواسطية، الحموية، أركان الإيمان، الأصول في علم الأصول في أصول الفقه وكذلك عمدة الأحكام)
 أما خارج المعهد العلمي فكان أبرز المشايخ الذين درس عليهم:
-       الشيخ/ صالح بن إبراهيم البليهي – رحمه الله -.
-       الشيخ/ صالح بن احمد الخريصي – رحمه الله -.
-       الشيخ/ سليمان بن عبد الله الغفيص – حفظه الله -.
-       الشيخ/ محمد المنصور المنسلح – رحمه الله -.
-       الشيخ/ الدكتور صالح المنصور – حفظه الله -.
-       الشيخ/ سلمان بن فهد العودة – حفظة الله -.
-       الشيخ/ يحيى بن عبد العزيز اليحيى – حفظه الله -.
-       الشيخ/ أحمد بن عبد الله بن حميد - حفظه الله -.
-       الشيخ/ عبد الله البسام – حفظه الله -.
-       الشيخ/ شايع الدوسري – حفظة الله – .
وقد قرأ على هؤلاء وحفظ عليهم عدداً من الكتب منها:
 (بلوغ المرام، الطحاوية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، الروض المربع، السلسبيل وبعض المنظومات كالرحبية، البيقونية، الجمزورية، الجزرية ومنظومة العمريطي).
هؤلاء هم ابرز المشايخ الذين استفاد منهم الشيخ عبد العزيز كثيراً أو قليلاً، غفر الله لهم وأعلى منازلهم أحياءً وأمواتاً.
          وأخيرا يجدر الإشارة إلى أن كاتبنا قارئ مشهور للقرآن الكريم له تسجيلات مسموعة أمّ في مسجد البديوي في جبل النور بمكة لمدة سنتين وكان يقوم بالخطابة والإمامة وإقامة بعض الدروس يومي السبت والاثنين في شرح بعض أبواب كتاب التوحيد والاثنين في استقبال أسئلة المأمومين في شؤونهم وحياتهم والجواب عليها فقهاً أو سيرة أو حديثاً. وشهرة مؤلفنا في القراءة والإمامة جعلته أحد من طرحت أسماؤهم – كما أخبرني ذلك بنفسه – لإمامة المسجد النبوي ولكنه لم يُرشح. هذا ويعمل مؤلفنا الآن أستاذاً في جامعة القصيم حتى كتابة هذه السطور. ([1])

 


ثانيا: وصف مختصر للكتاب

عنوان الكتاب:
(الطريق إلى الصحة النفسية عند ابن قيم الجوزيّة – رحمه الله – وعلم النفس)
للشيخ عبد العزيز الأحمد
طبعته دار الفضيلة ط1 1420 هـ
عدد صفحاته: 200 صفحة
قدم له أ.د عبد العزيز النغميشي أستاذ علم النفس بجامعة الإمام
وقد قسم المؤلف هذا الكتاب إلى خمسة فصول:
الفصل الأول: وفيه المقدمة ومبررات الدراسة ومصطلحاتها واختتمه بترجمة وافية للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.
الفصل الثاني: اقتصره على الإطار النظري (مفاهيم الصحة النفسيّة والدراسات السابقة)
الفصل الثالث: وكان عن منهج الدراسة وأدواتها.
الفصل الرابع: وفيه مفهوم الصحة النفسية عند ابن القيم ومرتكزات تحقيق الصحة النفسية وماهية التوافق وحدوده وعوائقه ومنهج ابن القيم في الحكم على المعلومات ثم عرج على السواء والاضطراب واختتم هذا الفصل بذكر أسلوب عملي لتحقيق الصحة النفسية من وجهة نظر ابن القيم.
الفصل الخامس: جاء فيه نتائج الدراسة والتوصيات والمقترحات ثم المصادر والمراجع، وفهرس الكتاب.







الفصل الأول
وفيه:
المقدمة، وبين فيها منزلة الإنسان بين سائر المخلوقات، وتكريم الله تعالى له، وأن الإسلام جاء بشريعته السامية ليجعل منه مخلوقا كريما يعيش حياة مطمئنة في وسطية، واعتدال، وتلبية لحاجة نفسه، وحاجة مجتمعه وبني جنسه، ويوازن بين متطلبات (الروح)، ومتطلبات (الجسد).
وأن العلامة الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- من أبرع العلماء الذين تكلموا في جانب (الصحة النفسية) للإنسان على ضوء تلك الشريعة السمحة والدين القيم، ثم عرج –وفقه الله على (مبررات الدراسة) وبين فيها فقر الدراسات والبحوث العلمية في البحث عن جهود علماء الإسلام وعطائهم الفكري عموما في هذا الباب، وبيان جهود الإمام ابن القيم على وجه الخصوص إلا اليسير من الكتابات في جوانب محدودة، وذكر (أهمية تلك الدراسة) وأنها تستمد أهميتها في كونها عن عالم عظيم له جهوده الكبيرة في ذلك المجال، وتوضيح أن علماء الإسلام لم يغفلوا العطاء في هذا الجانب، ونفع الناس بآراء ذلك العالم الفذ ومقارنته بالدراسات المعاصرة في علم النفس الحديث، وفي هذه المقدمة نقل تعريف العلماء للصحة النفسية، واختلافهم في ذلك، وقد خرج من مجمل تلك التعاريف بنتيجتين:
1-     أن اختلاف تعاريفهم سببه اختلاف مدارسهم وثقافتهم ووجهات نظرهم.
2-     أن اغلب هذه التعاريف تدور حول المفاهيم المشهورة لدى المهتمين بالصحة النفسية، والتعريف الذي يريد المؤلف الوصول إليه هو:
أن يعيش الإنسان على فطرته في قرب من الله وسلام مع الناس، ووئام مع النفس وسلامة في الجسد ونجاح في الحياة.
         




          ثم أفرد –وفقه الله– بعد ذلك حديثا ماتعا شيقا حول: ترجمة الإمام ابن القيم رحمه الله:
ذكر فيها مولده، ونشأته، وأنه نشأ في بيت علم وفضل وعبادة، وتلك البيئة هي التي كان لها أعظم الأثر في حياته العلمية والعملية والدعوية، وصدق الشاعر الحكيم:

مشى الطاووس يومـا باختيـال



فقلـده فـي مشيتـه أبـوه



وينشـأ ناشـئ الفتيـان منـا



علـى ما كـان عـوده أبـوه


          وتحدث المؤلف عن طلب ابن القيم للعلم وأنه رحمه لم يقتصر على علم معين بل استفاد من علوم عصره شأن كل من علت همته، وزكت فطرته، وحسنت نشأته، ثم بين بعد ذلك مشايخه، وأن من أبرزهم: شيخ الإسلام وعلم الأعلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله، وغيره من كبار علماء عصره ومصره، ومن المقرر أن التلميذ يتأثر بشيوخه وينصبغ بصبغتهم قوة وضعفا، براعة وبلادة، وتحدث المؤلف وفقه الله بعد ذلك عن بيئته من: (الناحية السياسية، والناحية الاجتماعية، والناحية العلمية)، وقد أجاد المؤلف في ذكر بيئته، ووقته حتى يفهم القارئ ظروف حياة هذا العالم، ومعرفة المؤثرات حوله، إذ الأمر كما يقول العلماء: إن الإنسان هو ابن بيئته ووقته، ومن المؤسف شح المصادر والمراجع التاريخية التي استند إليها المؤلف في بيان هذا الجانب، وقد كانت (الحياة السياسية) آنذاك مضطربة، و(الناحية الاجتماعية) الناس فيها على عدة طبقات وبالطبع فإن هذه الاضطرابات انعكست بالضعف، والوهن على المجتمع، وحياة الناس الذي أدى إلى وجود بعض المظاهر السيئة كـ(الترف، والفقر الشديد، وتعاطي المحرمات)، من ثَمَّ قام الإمام ابن القيم، وبعض العلماء المصلحين من أبرزهم شيخه الإمام ابن تيمية في محاربة تلك الشرور بالحكمة والموعظة الحسنة فأوذوا أشد الإيذاء، وعند الله في ذلك الجزاء، وفي (الناحية العلمية) ساد في طلبة وقته الجمود، والتقليد، والتعصب الأعمى مما نهض من همة المؤلف والعلماء المصلحين في رد الناس على النبعين الصافيين والموردين العذبين والتمسك بالنوحيين الكتاب والسنة، وعدم التعصب إلى الشيوخ والآراء والأهواء، ثم تكلم-وفقه الله- عن خُلق الإمام ابن القيم -رحمه الله-وعبادته، وبين أنه حلّ في درجة رفيعة من هذا الأمر مع تبتل وتأله وتنسك مما يدل على مدى تأثر هذا الحبر الجليل بعلمه وانتفاعه بما آتاه الله من الحكمة حتى يكون قدوة بين الناس، وسائرًا فيهم كالمشكاة والنبراس، به يقتدون، وعلى خطواته يسيرون "أولئك حزب الله وأولئك هم المفلحون".
وتكلم بعد هذا عن أعماله، وجهوده كـ(التعليم والتأليف والدعوة إلى الله) وانه حاز قصب السبق فيها وامتحن وأوذي في الله بسببها، وصدعه بالحق، وأنه لا يخشى في الله لومة لائم وتلك سنن الصالحين وسبيل عباد الله المتقين ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﯣ   ﯤ         ﯥ  ﯦ  ﯧ  ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  ﯭ   ﯮ  ﯯ  ﯰ     ﯱ  ﯲ  ﯳ  ﯴ  ﯶ  ﯷ    ﯸ  ﯹ  ﯺ  ﯻ  ﯼ  ﯽ  ﯾ  ﯿ  ﰀ   ﰁ  ﰂ    ﰃ  ﰄ  ﰅ  ﰆ  ﰇ   .هود(117)
         
          وبعد هذا عرض المؤلف منهجه في البحث، وذكر طول نفسه -رحمه الله- في تحقيق المسائل، وتأثره بمحاسن الشريعة، وعرض محاسنها، وحكمها وأسرار التشريع، وتحدث عن تآليفه، وذكر أسماء مصنفاته كـ:
(زاد المعاد في هدي خير العباد، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، ومفتاح دار السعادة، وتحفة المودود والداء والدواء، وإغاثة اللهفان وروضة المحبين وشفاء العليل.....) وغير ذلك كثير، مما يدل على عطاء علمي زاخر وهمة رفيعة وأفق واسع، وبعد هذا ذكر أسماء بعض تلامذته من النجوم اللامعة والشهب الساطعة كالحافظ ابن كثير، والحافظ ابن رجب الحنبلي والحافظ الذهبي وغيرهم -رحمة الله على الجميع-، وختم بذكر سنة وفاته سنة 751 هـ رحمه الله وطيب ثراه، وعرج على ما وصفه به العلماء وبيان ما أثنوا عليه من ثناء عاطر وحديث طيب.
فهـو الإمام الذي سـارت مآثـره



في الشرق والغرب سير الشمس والقمرِ



وكـم له من تآليـفٍ قد اشتهـرت




بكل قطـر فسل تنبيك عـن خبرِ([2])





















الفصل الثاني
 ذكر المؤلف هنا  (الإطار النظري) ذاكرا فيه:
أولا : مفاهيم الصحة النفسية ومفصلا فيها .
ثانيا : الدراسات السابقة 
          وتحدث عن مفاهيم الصحة النفسية، وذكر فيه أهمية الصحة النفسية ومؤشراتها ومرتكزات تحقيقها، وبين أن الصحة أمل ينشده كل الناس بلا استثناء، والحاجة إليها آكد في زمن الاضطرابات والتقلبات، وتكلم عن أسباب الاضطرابات والأمراض النفسية، وأنها تعود إلى عدة أسباب منها:
قيام الحروب التي تخلف مشاكل: (اقتصادية وسياسية ونفسية).
وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في كثير من الدول.
وإهمال جانب تزكية النفس والروح والاقتصار على جانب شباع الغرائز، والشهوات الجسمانية.
وذكر مثالا على هذا في كثرة عدد المرضى النفسيين في (الولايات المتحدة)، الأمر الذي جعل الدول توليه اهتماما بالغا، وتنشئ المراكز والمؤسسات النفسية.
ثم تحدث المؤلف-وفقه الله-عن نسبية الصحة النفسية، وأن ذلك يرجع إلى اختلاف المعايير بين المجتمعات وأنها تختلف من شخص لآخر، وبين مناهجها الثلاثة التي هي:
1-     المنهج الإنشائي وهو متقدم في الوجود.
2-     والمنهج الوقائي وله ثلاثة مستويات:
 ا- محاولة منع المرض.
ب- ومحاولة تشخيصه.
ج- وتقليل اثر إعاقته.
3-     والمنهج العلاجي.
ثم عرج -وفقه الله –على مؤشرات الصحة النفسية، ولها عدة قوائم من المؤشرات مثل:
قائمة جودة 1958 مـ، وهي تهتم بالجانبين النفسي والاجتماعي، ولا تتعرض للجسمي والروحي
وقائمة بارون 1968 مـ، وهي تركز على الجوانب والقيم الاجتماعية والأخلاقية.
وقائمة ماسلو وصموئيل ومغريوس.....وغيرها كثير حتى أوصل بعضهم القوائم إلى ثلاثين أو أكثر، وأوضح المؤلف خصائص الشخصية التي تتمتع بالصحة النفسية من: التوافق والشعور بالسعادة مع النفس، مع الآخرين وتحقيق الذات واستغلال القدرات والقدرة على مواجهة مطالب الحياة، والتكامل النفسي والسلوك العادي والعيش في سلامة وسلام، ذكر التوافق وحدوده والسواء، والاضطراب ومعاييرهما، ، ومرتكزات تحقيق الصحة النفسية التي منها:
إشباع الحاجات الأولية، وتقبل الذات، والقدرة على ضبط الذات، وتحمل المسئولية واكتساب الفرد العادات والمهارات السليمة مع التعاون والتفاعل والمحافظة على الثبات النفسي الذي هو النضج الانفعالي وكذا لمسايرة والمرونة، واتخاذ الأهداف الواقعية، والعناية بالصحة الجسمية والبدنية ومفهوم الصحة النفسية الشامل بشكل توضيحي جميل بين فيه أن فهم الذات وفهم المجتمع يؤدي إلى استغلال إمكانيات الفرد حسب أهداف وأنظمة المجتمع يؤدي إلى توافق كامل يؤدي إلى إنتاج وعمل، وذلك يؤدي إلى صحة نفسية وتكيف حسن، وتوافق سوي.
ثم بين ما هو التوافق وأنه بمعنى: التكيف والموائمة، وهو دليل على (الصحة النفسية)، وأن حقيقته توافق الإنسان مع نفسه أولاً ومع مجتمعه المحيط به ثانيا وأنه- أي التوافق- ليس له حدود.
          أما بالنسبة لعوائقه فقد  عدّ منها العوائق الجسمية، النفسية، المادية، الاقتصادية، وأخيرا الاجتماعية.
-       فالجسمية كـ: (العاهات والتشوهات) -نسأل الله تعالى العفو والعافية-.
-       والنفسية كـ: (نقص الذكاء، وقلة القدرات)،
-       والاجتماعية كـ: (الإحباط، والقلق)
          ثم كان الكلام بعد ذلك عن السواء، والاضطراب، وبين-وفقه الله- كيف يتكون السلوك، وأنه يتكون من مجموعة كبيرة من القوى: (الداخلية والخارجية)، ومفهوم السلوك السوي عند العلماء، وتعريف السواء، وبيان مدى ارتباط معايير السواء بمعيار الصحة النفسية، وبين ما هو الشذوذ؟، وأنه ما يخالف السواء أو هو الاضطراب النفسي الشديد وثم تعريفا أخر انه السلوك الذي يعبر عن درجة غير مألوفة من ضعف التناسق داخل الشخصية، ثم ذكر مفهوم السلوك المضطرب.
          وليختم الحديث في هذا المجال كان لزاما أن يتكلم عن المعايير التي تميز بين السواء والشذوذ، وأنواعها كـ:
1- (المعيار القيمي المثالي في تحديد السلوك)، وهو المعيار الذي يرى أن السوية هو الكامل أو ما يقرب منه أو الخالي من النقص والخطأ أما الشاذ فهو من انحرف عن المثل العليا أو الكمال، وهذا المعيار في الحقيقة معيار غير واقعي إذ لا يوجد إنسان كامل الأوصاف، كما أشار بذلك أحمد عبد الخالق.
2- و(المعيار الطبيعي)، وهو من وجهة نظر معتمديه أن السواء في العمل وفق الطبيعة والشذوذ ما خالفها وهذا التعريف فيه غموض وصعوبة كما أشار بذلك نعيم رفاعي في كتابه الصحة النفسية.
3- و(الإحصائي) وهو معيار علمي ويقيس مدى الانحراف عن المتوسط الشائع وهذا المعيار يجعل الحكم والصحة للأغلبية أياً كان سلوكهم.
4- و(الذاتي) يعتمد على النظر إلى الناس وملاحظة ظروفهم وتصرفاتهم فتكون سوية حين تنسجم مع أفكارنا وآراءنا الذاتية، فالسوي هو ما يلاءم ما نرغب فيه من وجهة نظرنا الشخصية، والشاذ نقيضه، وكما نرى فهو معيار غير علمي وغير منضبط لاتصافه بالذاتية.
5- و(الاجتماعي) والسوي فيه هو المتوافق مع المجتمع، والشاذ عكسه، وهذا معيار نسبي لاختلاف المجتمعات وعدم عصمتها من الخطأ.
6- و(الطبي) يرى الشذوذ لأنه حالة مرضية يكون الفرد فيه خطر على نفسه والمجتمع وما عداه فهو سوي، وهذا المعيار معيار غير ثابت لاختلاف مسمى المرض والشذوذ من ثقافة لأخرى.
7- و(النفسي الموضوعي) ينظر إلى السلوك على أنه فاعلية نفسية ناجمة عن ديناميكية خاصة تحركها الدوافع الكامنة وراءها من أجل تحقيق غرض، وبالتالي فالشذوذ عبارة عن اضطراب شديد في السلوك ووظيفته.
ثم أوضح المؤلف وفقه الله (مؤشرات الشذوذ) والتي من أبرزها:
1- اضطراب العملية المعرفية.
2- واضطراب الانفعال.
3- واضطراب الإرادة.
4- واضطراب السلوك.
5- وانحراف السلوك وغيرها.
          وخلص المؤلف بعد هذا إلى أنه لا يزال هناك غموض في مفهومي السواء والشذوذ، وتباين المعايير المحددة للسلوك السوي والمضطرب التي قام بها بعض المؤلفين من المحاولة للجمع بين المعيارين بحاجة لدراسة ونقد.
ثم تكلم وفقه الله في نهاية هذا الفصل عن (الدراسات السابقة) في هذا الباب، وبدأ بالبحوث والكتب، ثم تعليقاته على تلك الدراسات، وبين أن الذين كتبوا عن ابن القيم رحمه الله في العلوم التربوية والنفسية كتاباتهم على ثلاثة أوجه:
1- الدراسات العلمية (ماجستير-دكتوراه).
2- البحوث العلمية.
3- فصول ممزوجة ببعض الكتب لم تصنف استقلالا، وقام بالتمثيل على كل قسم منها، ونقدها.
الكتاب الأول هو دراسة نظرية حول العلاج النفسي لدى ابن القيم الجوزية للمطيلي، وهو في ثمانية فصول.
الكتاب الثاني: دراسة نظرية عن خصائص شخصية المسلم في كتابات ابن القيم الجوزية، وهو في تسعة فصول، ومقدمة.
ومن الكتب المطبوعة دراسة بعنوان:
(عرض وتحليل لكتاب إغاثة اللهفان لابن القيم الجوزية) لحمزة المالكي، أشار إليه فهمي في كتاب (الصحة النفسية) .
وأخيراً كتاب (الدراسات النفسية عند علماء المسلمين) لـ أ.د محمد عثمان نجاتي، وذكر ما فيه من العناصر التي تناولها عند الإمام ابن القيم رحمه الله.
وبعد عرض هذه الدراسات ونقدها نقداً موضوعياً مختصراً خلص المؤلف وفقه الله إلى أهمية إبراز الجانب النفسي خصوصاً جانب الصحة النفسية عند هذا العالم الفذ (ابن قيم الجوزية – رحمه الله -) وبين في آخر هذا الفصل أن أحداً لم يطرق هذا الباب بشكل مباشر من قبل مما يدل على أهمية طرح المؤلف وفقه الله .




















الفصل الثالث:
          في هذا الفصل وضح المؤلف مسلكه ومنهجه في الدراسة في أنها دراسة تحليلية عن طريق تحليل المعلومات بعد استخراج النصوص التي لها علاقة بالموضوع وتحليلها ومقارنتها بالدراسات النفسية الحديثة ومن ثم نقد وتحليل هذه المعلومات لإثبات الفروض والوصول للنتائج. وهذه أحد مناهج البحث المعروفة والمستعملة كما أشار في حاشيته، وكما هو معلوم فسوف يتعامل مع جميع النصوص ويحللها تحليلاً كيفياً بمعنى أن "التركيز في معالجة التجارب الواقعة والأحداث الجارية، سواء في الماضي أو الحاضر، على ما يدركه المؤلف منها ويفهمه ويستطيع تصنيفه، ولمح العلاقات التي يمكن ملاحظاتها ملاحظة عقلية([3]).
          وعليه فأقول: إن ذاتية الباحث لها تأثير على معالجة المعلومات ولا يخفى على الجميع مدى تأثر هذه البلاد المباركة ومن نشأ بها بشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله – واستقبال معظم ما يأتي منهما بالقبول والتسليم، وعلى هذا فإن دقة معالجة النصوص هنا قد تحتاج إلى ضبط من المؤلف أكبر ونظرة واقعية نقدية أكثر من عاطفية مسلمة.
          أما أدوات الدراسة فقد أوضح المؤلف من أنه سيستفيد من كتب الإمام المطبوعة، وخاصة سبعة كتب منها وهي:
زاد المعاد، مدارج السالكين، الجواب الكافي، إغاثة اللهفان، الروح، شفاء العليل والفوائد.
وسيحاول المؤلف كما ذكر الوصول لأسلوب علمي لتحقيق الصحة النفسية من وجهة نظر ابن القيم رحمه الله، وكذلك تحقيق بعض النتائج من إبراز مرتكزات تحقيق الصحة النفسية إسلاميا مع المناقشة الموضوعية للدراسات النفسية الحديثة.







الفصل الرابع

في هذا الفصل يذكر المؤلف – وفقه الله – المصطلحات والأسماء العلمية الحديثة للصحة النفسية سواء الإكلينيكية منها أو غيرها ثم يبين ما جاء به ابن القيم عنها مبيناً الاتفاق بين الدراسات النفسية الحديثة وبين ابن القيم من حيث المناهج والقواعد والاختلاف فيما بينهم في التفسيرات لتلك المناهج وذاكراً في الوقت نفسه تفسير ما كان له تفسير عند ابن القيم وغيره، مشيراً إلى أوجه التوافق وأوجه الاختلاف مع عدم إغفال الجوانب التي تطرق لها ابن القيم ولم تذكرها الدراسات النفسية الحديثة في خطوة زادت هذا الفصل روعة وجمالاً وإثراءً وكمالاً.
وقد ابتدأ هذا الفصل بمفهوم الصحة النفسية عند ابن القيم رحمه الله، وفيها دار الحديث عن: أهمية الصحة النفسية (الحياة الطيبة)، السعادة القلبية، وبين أن أنواع السعادة ثلاثة:
1- سعادة خارجية
2- وسعادة داخلية
3- وسعادة الروح والقلب، وهي السعادة الحقيقية التي تصحب الإنسان في دوره الثلاثة،
وبين المؤلف-وفقه الله- سبب الاختلاف بين ابن القيم والدراسات النفسية الحديثة، وهي ترجع لاختلاف النظر في:
1- أصول الخلق وطبيعة الإنسان
2- مصادر التلقي
3- غاية الإنسان وهدفه،
وذكر قول الإمام ابن القيم في أن الأصل في الإنسان: الفطرة الخيرة التي فطر الله الناس عليها، وبين نسبية الصحة النفسية، وأنها تعني: عدم ثبات الصحة والاستقرار النفسي على درجة واحدة لوقت طويل لعدة أسباب(داخلية وخارجية)، وبعد ذلك كان كلامه عن(مناهج تحقيق الصحة النفسية)، وأنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- إنشائي
2- ووقائي
3- وعلاجي، وهي قواعد طب الأبدان المشار إليها في كلام الإمام ابن القيم بأنها:
(حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة)
وبين- وفقه الله-  سمات ومظاهر الصحة النفسية عند ابن القيم رحمه الله كـ:
1- العبودية
2- والوسطية: ولم يغفل أن يشير إلى آراء سيجموند فرويد لأقسام النفس (الهو، الأنا، الأنا الأعلى) ويقارنها بآراء ابن القيم.
3- والبركة
4- والذكر
5- والصدق
6- والطمأنينة وفرح القلب
7- والرضا
8- والأدب: حدده بأدب مع الله ومع الرسول r ومع الخلق.
9- والتعاون والتكميل
10- والتفاؤل
11- والرغبة في الآخرة
          وقد أجاد المؤلف في إظهار الجوانب التي أبرزها ابن القيم وغفل عنها المعاصرون في علم النفس رغم أهميتها، كما ودلّل على كل عنصر منها من كلام العلامة ابن القيم المشرق من خلال كتبه النافعة مع مقارنته بآراء التربويين المعاصرين، والتربويين غير المسلمين، ثم عرج على (مرتكزات تحقيق الصحة النفسية) عند العلامة ابن القيم رحمه الله، وذكر أن منها:
1- العلم والإرادة.
2- والإيمان بالله تعالى ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
3- والتوكل على الله.
4- والتفكر.
5- وحسن الخلق.
6- والصبر.
7- وعلو الهمة والجد والطموح.
8- والتنظيم والمحافظة على الوقت.
9- والاهتمام بغذاء البدن والقلب (الروح).
10- والمحاسبة.
11- والاستغفار والتوبة.
ودلل أيضا على كل عنصر منها من درر كلام الإمام ابن القيم رحمه الله مع المقارنة بآراء علم النفس والتربية المعاصرة، وبعد عرض المرتكزات من وجهة نظر الشيخ رحمه الله تبين للباحث أن ابن القيم رحمه الله جمع في مرتكزاته العناية بالروح والنفس والعقل والجسم، وبين معرفة الله والإيمان به ومعرفة النفس وحاجتها لله وفهم المجتمع والتعامل معهم، ويحكم ذلك كله العلم النافع والعمل الصالح مما يثمر الإنتاج والعمل الدؤوب، والدعوة والمصابرة كل ذلك يفضي بالإنسان لحياة طيبة وصحة نفسية في الدارين الدنيا والآخرة، وأورد المؤلف شكلا توضيحيا رائعاً (ص 130) يقرر هذا الأمر.

          ثم عرض المؤلف -وفقه الله- الحديث عن ما هو التوافق(حدوده وعوائقه) بين فيه:
مفهوم التوافق، وأن الإنسان مدني بطبعه، وهو ما يطلق عليه (التوافق النفسي والاجتماعي)، وتحدث فيه عن: موافقة الحق لا الخلق، وارتباط الحياة بالهدف الأخروي، وان العبرة ليسن بكثرة الفاعلين لعمل معين لكي يعمله الإنسان بل الميزان هو رضا الرحمن جل وعلا ﭧ ﭨ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﯙ   ﯚ  ﯛ  ﯜ  ﯝ  ﯞ  ﯟ  ﯠ  ﯡ  ﯢ  ﯤ       ﯥ  ﯦ  ﯧ   ﯨ  ﯩ  ﯪ  ﯫ  ﯬ  الأنعام (116) فيه الضابط في الموافقة التي هي: (التوافق الاجتماعي) ألا وهو: مخالطة الناس في الخير، واعتزالهم ومجانبتهم قدر الإمكان في الشر، وحذر رحمه الله من الإفراط أو التفريط في هذا الجانب، وهو بهذا يضرب المثل الأعلى في تقرير التوازن والتوسط والاعتدال وقد بين بعد ذلك المؤلف مفهوم ابن القيم حول التوافق من خلال شكل بياني سهل وميسر ص140.
          وبعد هذا انتقل بالحديث حول عوائق التوافق، والتي أبرزها ثلاث عقبات بينها الإمام ابن القيم في كتبه وهي:
1- العوائد.
2- والعوائق.
3- والعلائق: الداخلي منها والخارجي.
          وانتقل المؤلف جزاه الله خيرا لمنهج ابن القيم للحكم على المعلومات والمصادر المتعددة وتلك المصادر هي النقل ويتمثل في: (الكتاب، والسنة)، والعقل، والتجربة، والملاحظة، فمصدر النقل وهو الوحي لأن الإنسان لا تستقيم له حياته بدون الاستناد والرجوع لمصدر لا يعتريه الخطأ والنقص والشك وهو معصوم محفوظ ولا يجوز عليه النسيان والزلل ولا يساوره قصور، ومع هذا يستأنس بما صح من مشاهداته وتجاربه وملاحظاته ويستنير بعقله الصحيح الذي وهبه الله تعالى إياه.
ثم تطرأ وفقه الله إلى عرض منهج الإمام ابن القيم رحمه الله مع مخالفيه في المصادر والإيمان وأنه منهج حق ووسطية لا إفراط ولا تفريط بل لزوم للصراط المستقيم وإتباع للنهج القويم، ويؤيد رحمه الله أن الحكمة هي ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق بها، وبذا يتفاعل الإنسان بحكمة مع من حوله من مخالفيه في شمول وعدل واعتدال.
          ثم تعرض المؤلف بعد ذلك لتوضيح ما هو السواء ومفهومه وعلاماته، وذكر أن علاماته هي نفس أمارات الصحة النفسية مثل: (العبودية لله تعالى، والتوازن والوسطية والبركة والذكر والصدق والطمأنينة والرضا والأدب والتعاون والتكميل والتفاؤل والرغبة في الآخرة)وجعل رحمه الله الأصل في السواء معرفة العبد ربه ونفسه وكيف نصل إلى السواء النفسي ومفهومه عند الإمام ابن القيم رحمه الله الذي يسميه ويطلق عليه: (الكمال الإنساني)ويتلخص في ستة عوامل أساسية كما يرى المؤلف وهي:
1- معرفة الله وطاعته.
2- معرفة النفس وحاجتها إلى الله.
3- شمولية الإيمان بالحياة كلها واليقين بلقاء الله تعالى.
4- العدل في المعاملة مع الخلق في التعامل.
5- الوسطية في تلبية الحاجات كالغذاء والشهوة.
6- العمل والجد (المجاهدة).
وبعبارة وجيزة: بقدر ما يحقق الإنسان العبودية لله تعالى بقدر ما يحقق السواء والعكس صحيح.

          بعد ذلك تحدث وفقه الله عن الاضطراب(المرض) وخاصة مرض القلب، وتحدث عن مفهومه عموما، ومفهومه عند الإمام ابن القيم خصوصا، وبين أنه يشمل: الأفكار والتصورات والحركات والسلوكيات، وربط الإمام ابن القيم رحمه الله الاضطراب والمرض القلبي بعدم تحقيق العبودية لله تعالى المتضمن لضد العوامل الست المحققة للسواء وهي:
1- الجهل بالله
2- الجهل بالنفس
3- عدم الإيمان بالآخرة
4- الظلم في المعاملة وسوء الخلق في التعامل
5- الإفراط في تلبية الحاجات من غذاء وشهوة(شهوتي البطن والفرج)
7-   العجز والكسل(ضعف الثقة)، وكل هذه يجمعها لفظ: ذنوب فالذنوب سواء كبرت أو صغرت لها أثر بالغ على حال العبد وتدهوره بلا شك.

          وقسّم المؤلف وفقه الله بعد هذا مراتب السواء عند الإمام ابن القيم رحمه الله لثلاثة أقسام:
·       السابق بالخيرات
·       والمقتصد بالإيمان
·       والظالم لنفسه. وتكلم على الفروق بينها ودرجاتها .

          وعرج المؤلف وفقه الله بعده على الأسلوب العملي لتحقيق الصحة النفسية(الحياة الطيبة)من وجهة نظر ابن القيم رحمه الله من خلال عدة أمور، وأنه يرى أن الحياة الطيبة والصحة النفسية تتحقق بتربية وتقوية قوتين: القوة العلمية والقوة العملية أي الإيمان والعمل الصالح، ومعرفة الهدف الأكبر من الحياة(العبودية)بمعناها الواسع الشامل، والاهتمام بسلامة العقل، وكذا الرجوع إلى الحق والصدور عنه وتقوية الإرادة والطموح والنظر إلى معالي الأمور والاهتمام بالقلب وصلاحه وقوته، مع إحياء التفاؤل في النفس والثقة، والحفاظ على الوقت والأنفاس، وتلبية حاجات الإنسان البدنية والروحية والقلبية، والحرص على الصدق في كل الأحيان وترك الكذب وبناء مفهوم الذات الصحيح بمعرفته لربه جل جلاله بقوته وغناه وعزته ومعرفته بنفسه الفقيرة الضعيفة العاجزة المسكينة، الاهتمام بالتوبة والأوبة في كل وقت وحين فهي أول الطريق وأوسطه وخاتمته، الإيمان الحقيقي بالدار الآخرة وتذكر يوم المصير، وأخيرا بالتقويم والمراجعة والمحاسبة والمراجعة على الدوام.

          ثم ختم -وفقه الله -كتابه بذكر نتائج الدراسة وذكر فيها ثلاثة عشر نتيجة تتلخص في:
·       اتفاق وجهة علماء النفس المعاصرين مع الإمام ابن القيم رحمه الله على أهمية الصحة النفسية والسعي لتحقيقها واختلافهم معه في الطريق إلى تحصيلها.
·       أن الإمام ابن القيم رحمه الله أبرز الجانب الروحي الإيماني كالعبودية والذكر وغيرهما في سمات الصحة النفسية وهذا الجانب لا يوجد إلا قليلا في الدراسات الحديثة رغم بالغ أهميّته.
·       أن الدراسات النفسية الحديثة لم تذكر أهمية معرفة الله تعالى في بناء المفهوم الصحيح للذات!.
·       تأكيد الإمام ابن القيم رحمه الله على أن المعتبر في التوافق هو موافقة الحق لا الخلق.
·       تركيزه رحمه الله في معايير السواء والاضطراب على الجانب النفسي والقلبي.
·       ربطه للجانب النفسي والقلبي بالعبودية لله تعالى على عكس الدراسات الحديثة.
·       تأكيد الإمام ابن القيم على أهمية دور الخواطر والأفكار وأهمية معالجة العمليات العقلية والتفكير لتحقيق السواء وإبعاد الاضطراب.
·       اتفاق الدراسات النفسية مع الإمام رحمه الله حول مصادر المعرفة وهي الحس والعقل وذلك باستخدام الملاحظة والتجربة والاستقراء، وزاد رحمه الله النقل والوحي ووجوب تقديمه عليها.
·       أن معياره رحمه الله لتحديد السواء والاضطراب معيار شرعي.
·       وأن الدراسات النفسية اعتمدت في دراستها على التجريب والاختبار مما أعطى نتائجها نوعا من الموضوعية.
·       تأكيد الإمام ابن القيم رحمه الله على أهمية أخذ الحق ممن جاء به أيا كان شريطة ألا يشتمل على محرم أو يؤدي إليه.

          وأخيرا أختتم المؤلف هذا الباب بالتوصيات وذكر فيها خمسة عشر وصية، وهي كالتالي مختصرة:
1- أهمية إبراز الجانب الروحي.
2- الاهتمام بالعلم النافع والاهتمام بصحة الجسم والنفس وعلاقتهما ببعض.
3- تقوية الإرادة والجد لدى الأمة جمعاء وأثر ذلك.
4- أهمية توضيح أن الدين يشمل الاعتقاد والحركة والنفع اللازم والمتعدي.
5- ضرورة إضافة معرفة الله وطاعته كجانب أول في تحقيق الذات مع ضرورة معرفة النفس وجوانب نقصها.
8- ضرورة إيجاد معنى لحياة الإنسان وذلك لا يكون إلا تحت مظلة العبودية لله الواحد القهار.
9- أهمية تعميق مراقبة الله في نفوس الناس.
10- التأكيد على أهمية التعاون والتكميل بين الناس.
11- أهمية التعددية في مصادر المعرفة والتعامل مع الدراسات النفسية بعدل وحق.
12- وضع المعايير الصحيحة في تحديد الصحة النفسية والسواء والاضطراب.
13- عدم إغفال الوسائل المستخدمة في الكشف عن المعلومات.
14- أن المعيار المختار لمعرفة السواء والاضطراب لابد أن يجمع بين المعيارية والشمولية والوصفية.
15- وأخيرا أهمية إبراز الإسهامات العلمية في جميع الجوانب النفسية عند الإمام ابن القيم رحمه الله وغيره من علماء الإسلام رحمهم الله وإبرازها للمتخصصين.
         
ثم المقترحات وذكر فيها خمس مقترحات وهي:
1- بناء مقياس للصحة من وجهة نظر الإمام رحمه الله،
2- وإعداد برنامج عملي على منهجية الأسلوب العلمي الذي وضعه المؤلف،
3- تطبيقه واستخراج نتائجه ومقارنتها، ودراسة بعض الجوانب النفسية عند الإمام رحمه الله،
4- واقترح المؤلف وفقه الله القيام بدراسات مماثلة لدراسته هذه لدى أحد علماء الإسلام كابن تيمية وابن رجب رحمهما الله ومقارنتها مع الدراسات النفسية الحديثة،
5- وأخيرا اقترح المؤلف دراسة مفهوم المعيار الإسلامي، ومصادره وأوصافه وتطبيقاته

ثم قائمة المراجع والتي بلغت 63 مرجعا في مختلف العلوم والفنون لعلماء الإسلام قديما وحديثا
جزى الله المؤلف خيرا على مقدم، وأجزل له الأجر والمثوبة.




الفصل الثالث

إيجابيات الكتاب، ومميزاته:

امتاز هذا الكتاب بعدة ميزات أذكر منها:
1-          اعتماد المؤلف سدده الله على الوحيين كمصدر أساسي وملهم في بحثه واستسقاء جميع آراؤه منهما، وهذا الأمر للأسف قليل في الدراسات النفسيّة الحديثة ويحسب للمؤلف جزاه الله عن الإسلام خيرا .
2-          نفاسة موضوعه، وأهميته.
3-          حسن الاختيار للعالم المبحوثة آراؤه.
4-          جرد المصنف لمصنفات الإمام ابن القيم، والاستفادة من كل ما له تعلق بالدراسة وإثباتها في محلها من البحث.
5-          مقارنته بين ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله، والدراسات الحديثة والمعاصرة.
6-          الصبغة الإسلامية الإيمانية للبحث مما زاد في بهجته ورونقه.
7-          استعانته بالأشكال التوضيحية، وقد ذكر في بحثه سبعة أشكال توضيحية.
8-          أجاد وفقه الله في ذكر البيئة والوقت الذي عاش فيه الإمام ابن القيم رحمه إذ كما يقال: (الإنسان ابن بيئته).
9-          أعطى نبذة عن أخلاق الإمام وسيرته وعبادته أظهر بها مدى تأثر هذا العالم بما علم وكونه قدوة بأفعاله قبل أقواله.
10-    قدم رحمنا الله وإياه بمقدمة جيدة بالغة الأهمية ذكر فيها الدراسات المؤيدة والإحصائيات التي تبين أهمية هذا المجال.
11-    أجاد في إظهار الجوانب التي أبرزها الإمام ابن القيم، وغفل عنها العلماء المعاصرون في علم النفس رغم أهميتها ص98.
12-    روعة إظهار أهمية صحة الجسم والنفس وعلاقتهما بالعلم الشرعي النافع وبالتالي العمل الصالح وبالتالي السعادة كنتيجة حتميّة.
13-    أجاد في إظهار المعايير الصحيحة في تحديد الصحة النفسية والسواء والاضطراب.
14-    تلمس في كتابات المؤلف وفقه الله الاهتمام بإصلاح الأمة عموما.
15-    جودة الآراء والمقترحات التي قدمها سدده الله والتي تعطي مؤشرا لاهتمام المؤلف ليس فقط بالجانب النفسي وإنما بالمسلم في جميع شؤون حياته.
16-    ترابط البحث واتساقه بشكل رائع بحيث بدأ مع القارئ من قاعدة عريضة وانتهى إلى ما يريده – أي المؤلف- بالضبط وهذه براعة تحتاج إلى مهارة بلا شك.


الفصل الرابع

المآخذ على الكتاب والملاحظات:

          وهذه المآخذ والملاحظات تتنوع بين ما يتعلق بمادة الكتاب أو بإخراج الكتاب ولغته، أو المنهج العلمي في التحقيق والبحوث، أو الجوانب الأدبية وأخلاقيات الباحث، وما أحسن هنا أن نذكر قول الشاعر الحكيم:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها                   كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
وقول الآخر:
سامح أخاك إذا خلـط             منه الإصــابة بالغلــط
وتجاف عـن تعنيــفه            إن زاغ يــوماً أو قسـط
واقـن الوفـاء ولو أخ              لّ بما اشترطت وما اشترط
واعـلم بأنك إن طلبـ             ت مهـذبا رمت الشطـط
من ذا الذي ما ساء قـط          ومـن لـه الحسنى فـقط

والمآخذ – من وجهه نظري القاصرة جدا- كمتعلم لا كناقد على النحو التالي:
1- فقر الحواشي، وتجاهله للتعريف بمصطلحات الكتاب الكثيرة مع صعوبتها ووعورتها وغرابتها على كثير من العقول والأفهام، مثل ما جاء في ص 87 فقد ذكر فيه حتمية فرويد، وحتمية واطسن، ولم يسفر عن وجه معناها مع غرابة المصطلحين جدا، وغموضهما، ناهيك عن إغفال ذكر مختصر للكثير من الكتب ومن ضمنها كتب استشهد بها كثيرا.
2- كثرة الأخطاء الإملائية، والتصحيفات ومن ذلك مثالا لا حصراً:
 في ص13 الدراسة صحفت إلى الدراسسة بزيادة سين
وفي ص 19 النفسية سقطت منها التاء المربوطة
وفي ص 26 مجتمعة زاد تاء أخرى
وفي ص41 كالحاجة وردت بغير ألف كالحجة
وفي ص 92 تصحيف قبيح فقد تصحف لفظ مرشدون إلى مشردون بتقديم الشين على الراء !!!! وتصحفت أثّر إلى أيّر!!!! بإبدال الثاء ياءاً.وكذا ص141 تصحف لفظ الشرع إلى الشرك!، وغير ذلك كثير...
3- عدم الاهتمام بالضبط (التشكيل) لغريب الكلمات في الكتاب مع أنه حري بهذا لغرابة مصطلحاته، بل يتجاوز ذلك إلى الضبط أحيانا بشكل خاطئ كما في ص 48 ضبط جانبا المثنى بتنوين الألف!
4- الغلط في الإحالة إلى المصادر أو إهمالها بالكلية كما في حاشية ص 31.
5- العزو إلى كتاب متأخر مع أن النقل الموجود فيه عن العالم من كتاب مطبوع ومتداول ومتوفر كما في حاشية ص20 فقد أحال على كتاب الشيخ بكر رحمه الله وكتاب ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي موجود ومتوفر وعنه نقل الشيخ بكر ومن مبادئ التخريج: الارتفاع في العزو، والعلو في النسبة.
6- الإكثار بشكل ملحوظ من قوله: ويرى الباحث..يقتصر الباحث ..الباحث يرى..ذكر الباحث...في نظر الباحث...حتى لقد ذكرها في صفحة واحدة عدة مرات (4 مرات ص62)
7- عدم انسجام الكلمات والعبارات في بعض المواطن، وذكر عبارات توهم النقص في الكلام كما في ص 23.
8- إهماله ترجمة كثير من الأعلام خاصة أرباب هذا العلم وهذا كثير في ثنايا الكتاب قلما تخلو منه صفحة.
9- الإيجاز المخل في بعض المواضع كما في ص 62 لم يبين ما عنوان رسالتيهما؟
10- وجود بعض السقط كما في ص123 حيث سقطت كلمت ارتفع.
11- كثرة الاعتماد على مصدر واحد في نفس الموضوع(أبو زيد-أحمد عبد الخالق).
12- تركه لفظ الترحم على العلماء  سهوا ولم يذكرها إلا مع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
13- عدم ربط المواضيع بعضها ببعض في الإحالة.
14- استطراده في ذكر بعض المسائل العلمية الدقيقة التي لا أرى لها موقعا في عنوان الكتاب، وكان بإمكانه الاكتفاء بالعموم ص25
15- اختصر في التأليف وصفاته وسماته عند ابن القيم في حين أن هذا من أساسيات البحث ص26
16- في ص28 كرر اسم كتاب إغاثة اللهفان وقد ذكر اسمه من قبل من غير ذكر لاسمه كاملا ولا أين طبع ولا تعريف به في أي حاشية
17- ص 29 ذكر كتب الإمام ابن القيم من غير تعريف بها ولا أين طبعت مع الأهمية الشديدة لذلك وأنه في صلب البحث
18- عدم عزو المؤلف المعلومات للمصادر الأصيلة من ناحية الإحصائيات والدراسات بل يرجع في ذلك إلى الواسطة ص35
19- عدم استشهاده بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية بداية والأصل تقديم كلام الله وكلام رسوله على كلام أي أحد.
          وأعود لأذكر القارئ الكريم أن هذا البحث حاز على درجة امتياز مع مرتبة الشرف وأن أمثال هذه الأخطاء كثيرة وشائعة ولا تنقص من قيمة الكتاب الرائع فجزى الله مؤلفه خير الجزاء على ما قدم وأجزل له المثوبة والعطاء.















الخاتمة والنتائج

بعد هذه الرحلة الطيبة مع كتاب الصحة النفسية عند ابن القيم الجوزية تبين لي عدة أشياء:
1-  الجهد الكبير المشكور الذي قام به المؤلف جزاه الله خيرا
2-  أنه ما يزال هناك مجال رحب لتتميم هذا العمل الكريم وتتويجه بمزيد من البحث في كتب وآثار هذا العلم الجبل رحمه الله.
3- الاجتهاد في عمل دراسات مشابهة عند علماء الأمة الآخرين الذين عرفوا بالموسوعية وشهروا بالاهتمام بهذا الجانب، ومعالجته في مصنفاتهم كالإمام ابن الجوزي، وابن رجب الحنبلي، وغيرهم
4- أن الإنسان مهما اجتهد فعمله مظنة التعقب والاستدراك وهذا كله لأن المتفرد بالكمال ربنا ذو الجلال عز وتقدس.
5- السعي في تدريس أمثال هذه الكتب النافعة والجوامع الماتعة في المدارس والمساجد والجامعات، وعمل دورات فيها في المراكز والمؤسسات الاستشارية والتربوية والدعوية، بعد تلخيصها وتهذيبها، وتقريب ما فيها للنشء الصاعد والجيل الواعد.
6- ترغيب الجميع أساتذة وطلاب لعمل وتشجيع أمثال هذه الدراسات عن علماءنا الجهابذة وإظهار ما لدى المسلمين من درر مدفونة لعل الله أن يجعل بسببها قيام الأمة على دينها وشريعتها واستيقاظها من سباتها.

          هذا ما يسره الله تعالى فإن أصبت فبمنّه وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله وأتوب إليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.



المصادر والمراجع

-       كتاب (الصحة النفسية عند ابن القيم الجوزية، وعلم النفس) رحمه الله للشيخ عبد العزيز الأحمد. دار الفضيلة ط(1) (1420هـ)
-       موقع حلول على الشبكة العنكبوتية: www.holol.net
-       دليل الرسائل الجامعة، إصدار جامعة طيبة.
-       الفكر التربوي عند ابن القيم / د. حسن بن علي بن حسن الحجاجي. دار حافظ للنشر والتوزيع ط(1) (1408هـ).


() منقول من موقع المؤلف على الشبكة العنكبوتية والمسمى: حلول http://www.holol.net
() أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض ..مقدمة الكتاب
() الساعاتي، حسن، تصميم البحوث الاجتماعية، نسق منهجي جديد، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، (2003)، (ط1).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق